فصل: فصل: أخذ الشلاء بالشلاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كسر بعضها‏,‏ برد من سن الجاني مثله‏]‏

وجملته أن القصاص جار في بعض السن لأن الربيع كسرت سن جارية فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقصاص ولأن ما جرى القصاص في جملته جرى في بعضه إذا أمكن كالأذن‏,‏ فيقدر ذلك بالأجزاء فيؤخذ النصف بالنصف والثلث بالثلث وكل جزء بمثله‏,‏ ولا يؤخذ ذلك بالمساحة كي لا يفضي إلى أخذ جميع سن الجاني ببعض سن المجني عليه ويكون القصاص بالمبرد‏,‏ ليؤمن أخذ الزيادة فإنا لو أخذناها بالكسر لم نأمن أن تنصدع‏,‏ أو تنقلع أو تنكسر من غير موضع القصاص ولا يقتص حتى يقول أهل الخبرة‏:‏ إنه يؤمن انقلاعها‏,‏ أو السواد فيها لأن توهم الزيادة يمنع القصاص في الأعضاء كما لو قطعت يده من غير مفصل فإن قيل‏:‏ فقد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منه لتوهم السراية إلى بعض العضو‏؟‏ قلنا‏:‏ وهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه‏,‏ فلو اعتبرناه في المنع لسقط القصاص في الأطراف بالكلية فسقط اعتباره‏,‏ وأما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول إنما منع القصاص فيها احتمال الزيادة في الفعل لا في السراية‏,‏ مثل من يستوفي بعض الذراع فإنه يحتمل أن يفعل أكثر مما فعل به وكذلك من كسر سنا ولم يصدعها‏,‏ فكسر المستوفي سنه وصدعها أو قلعها أو كسر أكثر مما كسر‏,‏ فقد زاد على المثل والقصاص يعتمد المماثلة وتارة نقول‏:‏ إن السراية في بعض العضو إنما تمنع إذا كانت ظاهرة‏,‏ ومثل هذا يمنع في النفس ولهذا منعناه من الاستيفاء بآلة كالة أو مسمومة‏,‏ وفي وقت إفراط الحرارة أو البرودة تحرزا من السراية‏.‏

فصل‏:‏

ومن قلع سنا زائدة وهي التي تنبت فضلة في غير سمت الأسنان خارجة عنها‏,‏ إما إلى داخل الفم وإما إلى الشفة وكانت للجاني مثلها في موضعها‏,‏ فللمجني عليه القصاص أو أخذ حكومة في سنه‏,‏ وإن لم يكن له مثلها في محلها فليس للمجني عليه إلا الحكومة وإن كانت إحدى الزائدتين أكبر من الأخرى‏,‏ ففيه وجهان أحدهما لا تؤخذ الكبرى بالصغرى لأن الحكومة فيها أكبر فلا يقلع بها ما هو أقل قيمة منها والثاني‏,‏ تؤخذ بها لأنهما سنان متساويان في الموضع فتؤخذ كل واحدة منهما بالأخرى‏,‏ كالأصليتين ولأن قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والسن بالسن‏}‏ عام فيدخل فيه محل النزاع وإن قلنا‏:‏ يثبت القياس في الزائدتين بالاجتهاد‏,‏ فالثابت بالاجتهاد معتبر بما ثبت بالنص واختلاف القيمة لا يمنع القصاص بدليل جريانه بين العبيد‏,‏ وبين الذكر والأنثى في النفس والأطراف على أن كبر السن لا يوجب كثرة قيمتها‏,‏ فإن السن الزائدة نقص وعيب وكثرة العيب زيادة في النقص لا في القيمة‏,‏ ولأن كبر السن الأصلية لا يزيد قيمتها فالزائدة كذلك‏.‏

فصل‏:‏

ويؤخذ اللسان باللسان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأن له حدا ينتهي إليه‏,‏ فاقتص منه كالعين ولا نعلم في هذا خلافا ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس‏,‏ لأنه أفضل منه ويؤخذ الأخرس بالناطق لأنه بعض حقه‏,‏ ويؤخذ بعض اللسان ببعض لأنه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه‏,‏ كالسن ويقدر ذلك بالأجزاء ويؤخذ منه بالحساب‏.‏

فصل‏:‏

وتؤخذ الشفة بالشفة وهي ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأن له حدا ينتهي إليه‏,‏ يمكن القصاص منه فوجب كاليدين‏.‏

مسألة‏:‏

قال ‏:‏ ‏[‏ولا تؤخذ يمين بيسار ، ولا يسار بيمين‏]‏

هذا قول أكثر أهل العلم ، منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وحكي عن ابن سيرين ، وشريك أن إحداهما تؤخذ بالأخرى ، لأنهما يستويان في الخلقة والمنفعة ‏.‏ ولنا ، أن كل واحدة منهما تختص باسم ، فلا تؤخذ إحداهما بالأخرى ، كاليد مع الرجل ‏.‏ فعلى هذا كل ما انقسم إلى يمين ويسار ، كاليدين والرجلين والأذنين والمنخرين والثديين والأليتين والأنثيين ، لا تؤخذ إحداهما بالأخرى‏.‏

فصل ‏:‏

وما انقسم إلى أعلى وأسفل ، كالجفنين والشفتين ، لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ، ولا الأسفل بالأعلى لما ذكرنا ، ولا تؤخذ إصبع بإصبع ، إلا أن يتفقا في الاسم والموضع ، ولا تؤخذ أنملة بأنملة ، إلا أن يتفقا في ذلك ، ولا تؤخذ عليا بسفلى ولا وسطى ، والوسطى والسفلى لا تؤخذان بغيرهما ، ولا تؤخذ السن بالسن إلا أن يتفق موضعهما واسمهما ‏.‏ ولا تؤخذ إصبع ولا سن أصلية بزائدة ، ولا زائدة بأصلية ، ولا زائدة بزائدة في غير محلها ، لما ذكرناه ‏.‏

فصل‏:‏

وما لا يجوز أخذه قصاصا لا يجوز بتراضيهما واتفاقهما عليه لأن الدماء لا تستباح بالاستباحة والبذل‏,‏ ولذلك لو بذلها له ابتداء لا يحل أخذها ولا يحل لأحد قتل نفسه‏,‏ ولا قطع طرفه فلا يحل لغيره ببذله فلو تراضيا على قطع إحدى اليدين بدلا عن الأخرى‏,‏ فقطعها المقتص سقط القود لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها‏,‏ وفي الثانية بإذن صاحبها في قطعها ودياتهما متساوية وهذا قول أبي بكر ولذلك قال‏:‏ لو قطع المقتص اليد الأخرى عدوانا‏,‏ لسقط القصاص لأنهما تساويا في الألم والدية والاسم فتقاصا وتساقطا‏,‏ ولأن إيجاب القصاص يفضي إلى قطع يدي كل واحد منهما وإذهاب منفعة الجنس وإلحاق الضرر العظيم بهما جميعا ولا تفريع على هذا القول لوضوحه‏,‏ وكل واحد من القطعين مضمون بسرايته لأنه عدوان وقال ابن حامد‏:‏ إن كان أخذها عدوانا فلكل واحد منهما القصاص على صاحبه وإن أخذها بتراضيهما‏,‏ فلا قصاص في الثانية لرضا صاحبها ببذلها وإذنه في قطعها‏,‏ وفي وجوبه في الأولى وجهان أحدهما‏:‏ يسقط لما ذكرنا والثاني‏,‏ لا يسقط لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت فكان له الرجوع إلى حقه‏,‏ كما لو باعه سلعة بخمر وقبضه إياه فعلى هذا له القصاص إلا أنه لا يقتص إلا بعد اندمال الأخرى وللجاني دية يده‏,‏ فإذا وجب للمجني عليه دية يده وكانت الديتان واحدة تقاصا‏,‏ وإن كانت إحداهما أكبر من الأخرى كالرجل مع المرأة وجب القصاص لصاحبه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال المقتص للجاني‏:‏ أخرج يمينك لأقطعها فأخرج يساره‏,‏ فقطعها فعلى قول أبي بكر يجزئ ذلك سواء قطعها عالما بها أو غير عالم‏,‏ وعلى قول ابن حامد إن أخرجها عمدا عالما بأنها يساره وأنها لا تجزئ فلا ضمان على قاطعها ولا قود لأنه بذلها بإخراجه لها لا على سبيل العوض‏,‏ وقد يقوم الفعل في ذلك مقام النطق بدليل أنه لا فرق بين قوله‏:‏ خذ هذا فكله وبين استدعاء ذلك منه‏,‏ فيعطيه إياه ويفارق هذا ما لو قطع يد إنسان وهو ساكت‏,‏ لأنه لم يوجد منه البذل وينظر في المقتص فإن فعل ذلك عالما بالحال عزر‏,‏ لأنه ممنوع منه لحق الله تعالى وهل يسقط القصاص في اليمين‏؟‏ على وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ يسقط لأن قاطع اليسار تعدى بقطعها ولأنه قطع إحدى يديه‏,‏ فلم يملك قطع اليد الأخرى كما لو قطع يد السارق اليسرى مكان يمينه فإنه لا يملك قطع يمينه والوجه الثاني‏,‏ أنه لا يسقط وهو مذهب الشافعي وفرقوا بين القصاص وقطع السارق من ثلاثة أوجه أحدها‏:‏ أن الحد مبني على الإسقاط‏,‏ بخلاف القصاص والثاني أن اليسار لا تقطع في السرقة وإن عدمت يمينه‏,‏ لأنه يفوت منفعة الجنس في الحد بخلاف القصاص والثالث‏:‏ أن اليد لو سقطت بأكلة أو قصاص سقط القطع في السرقة‏,‏ فجاز أن يسقط بقطع اليسار بخلاف القصاص فإنه لا يسقط‏,‏ وينتقل إلى البدل لكن لا تقطع يمينه حتى تندمل يساره لئلا يؤدي إلى ذهاب نفسه‏,‏ فإن قيل‏:‏ أليس لو قطع يمين رجل ويسار آخر لم يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر‏؟‏ قلنا‏:‏ الفرق بينهما أن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمعنا بينهما وفي مسألتنا أحدهما غير مستحق‏,‏ فلم نجمع بينهما فإذا اندملت اليسار قطعنا اليمين فإن سرى قطع اليسار إلى نفسه‏,‏ كانت هدرا ويجب في تركته دية اليمين لتعذر الاستيفاء فيها بموته وإن قال المقتص منه‏:‏ لم أعلم أنها اليسار أو ظننت أنها تجزئ عن اليمين‏,‏ نظرت في المستوفى فإن علم أنها يساره وأنها لا تكون قصاصا‏,‏ ضمنها بديتها ويعزر وقال بعض الشافعية‏:‏ عليه القصاص لأنه قطعها مع العلم بأنه ليس له قطعها ولنا أنه قطعها ببذل صاحبها‏,‏ فلم يجب عليه القصاص كما لو علم باذلها وإن كان جاهلا فلا تعزير عليه‏,‏ وعليه الضمان بالدية لأنه بذلها له على وجه البدل فكانت مضمونة عليه‏,‏ ولأنها مضمونة لو كان القاطع عالما بها وما وجب ضمانه في العمد وجب في الخطأ‏,‏ كإتلاف المال والقصاص باق له في اليمين ولا تقطع حتى تندمل اليسار‏,‏ فإذا اندملت فله قطع اليمين فإن عفا‏,‏ وجب بدلها ويتقاصان وإن سرت اليسار إلى نفسه‏,‏ كانت مضمونة بالدية الكاملة وقد تعذر قطع اليمين ووجب له نصف الدية‏,‏ فيتقاصان به ويبقى نصف الدية لورثة الجاني وإن اختلفا في بذلها فقال الجاني‏:‏ إنما بذلتها بدلا عن اليمين وقال المجني عليه‏:‏ بذلتها في غير عوض‏,‏ أو قال‏:‏ أخرجتها دهشة فقال‏:‏ بل عالما فالقول قول الجاني لأنه أعلم بنيته‏,‏ ولأن الظاهر أن الإنسان لا يبذل طرفه للقطع تبرعا مع أن عليه قطعا مستحقا وهذا مذهب الشافعي وإن كان باذل اليسار مجنونا مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه‏,‏ فعلى قاطعها ضمانها بالقصاص إن كان عالما وبالدية إن كان مخطئا لأن بذل المجنون ليس بشبهة وإن كان من له القصاص مجنونا ومن عليه القصاص عاقلا‏,‏ فأخرج إليه يساره أو يمينه فقطعها ذهبت هدرا لأنه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البدل له‏,‏ ولا ضمان عليه لأنه أتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى‏,‏ وقد تعذر استيفاء القصاص فيها لتلفها فيكون للمجنون ديتها وإن وثب المجنون عليه فقطع يده التي لا قصاص فيها فعلى عاقلته ديتها‏,‏ وله القصاص في الأخرى وإن قطع الأخرى فهو مستوف حقه في أحد الوجهين‏,‏ لأن حقه متعين فيها فإذا أخذها قهرا سقط حقه‏,‏ كما لو أتلف وديعته والثاني لا يسقط حقه‏,‏ وله عقل يده وعقل يد الجاني على عاقلته لأن المجنون لا يصح منه الاستيفاء ويفارق الوديعة إذا أتلفها لأنها تلفت بغير تفريط وليس لها بدل إذا تلفت بذلك‏,‏ واليد بخلافه فإنها لو تلفت بغير تفريط كانت عليه ديتها وكذلك الصغير وكذلك الحكم فيهما إذا قتلا قاتل أبيهما عمدا‏,‏ وإن اقتصا من الجاني ما لا تحمله عاقلته كما دون الثلث كقطع إصبع ونحوها‏,‏ سقط حقهما لأن ذلك يقتضي الدية في ذمتهما ولهما في ذمة الجاني مثل ذلك‏,‏ فيتقاصان وإن كانت ديتهما مختلفة كالمسلم والذمي‏,‏ والرجل والمرأة فإن قلنا‏:‏ يكونان مستوفيين لحقهما بالقطع لم يبق لهما حق‏,‏ كما لو أتلفا وديعتهما وإن قلنا‏:‏ لا يكونان مستوفيين يقاص من الديتين بقدر الأدنى منهما‏,‏ ووجب الفضل للصبي والمجنون وإن كانت الجناية عليهما أو على وليهما خطأ تحمله العاقلة فاستوفيا القصاص‏,‏ لم يسقط حقهما وجها واحدا وكانت دية من استوفيا منه على عاقلتهما مؤجلة‏,‏ ودية الجناية عليهما أو على وليهما على عاقلة الجاني مؤجلة‏.‏

فصل‏:‏

وسراية القود غير مضمونة ومعناه أنه إذا قطع طرفا يجب القود فيه فاستوفى منه المجني عليه ثم مات الجاني بسراية الاستيفاء‏,‏ لم يلزم المستوفى شيء وبهذا قال الحسن وابن سيرين‏,‏ ومالك والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وروي ذلك عن أبي بكر‏,‏ وعمر وعلي رضي الله عنهم وقال عطاء وطاوس‏,‏ وعمرو بن دينار والحارث العكلي والشعبي‏,‏ والنخعي والزهري وأبو حنيفة‏:‏ عليه الضمان قال أبو حنيفة‏:‏ عليه كمال الدية في ماله وقال غيره‏:‏ هي على عاقلته لأنه فوت نفسه‏,‏ ولا يستحق إلا طرفه فلزمته ديته كما لو ضرب عنقه ولأنها سراية قطع مضمون‏,‏ فكانت مضمونة كسراية الجناية والدليل على أنه مضمون‏,‏ أنه مضمون بالقطع الأول لأنه في مقابلته ولنا أن عمر وعليا رضي الله عنهما قالا‏:‏ من مات من حد أو قصاص لا دية له‏,‏ الحق قتله رواه سعيد بمعناه ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق وفارق ما قاسوا عليه‏,‏ فإنه ليس ما فعله مستحقا إذا ثبت هذا فلا فرق بين سرايته إلى النفس بأن يموت منها‏,‏ أو إلى ما دونها مثل أن يقطع إصبعا فتسري إلى كفه‏.‏

فصل‏:‏

وسراية الجناية مضمونة بلا خلاف لأنها أثر الجناية والجناية مضمونة‏,‏ فكذلك أثرها ثم إن سرت إلى النفس وما لا يمكن مباشرته بالإتلاف مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينيه‏,‏ وجب القصاص فيه ولا خلاف في ذلك في النفس وفي ضوء العين خلاف قد ذكرناه فيما تقدم وإن سرت إلى ما يمكن مباشرته بالإتلاف‏,‏ مثل إن قطع إصبعا فتآكلت أخرى وسقطت من مفصل ففيه القصاص أيضا‏,‏ في قول إمامنا وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وقال أكثر الفقهاء‏:‏ لا قصاص في الثانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما فمرق منه إلى آخر ولنا‏,‏ أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس وضوء العين ولأنه أحد نوعي القصاص‏,‏ فأشبه ما ذكرنا وفارق ما ذكروه فإن ذلك فعل وليس بسراية‏,‏ ولأنه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر لم يجب القصاص ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص‏,‏ ولو ضرب إبهامه فمرق إلى سبابته وجب القصاص فيهما فافترقا ولأن الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص‏,‏ فوجب القصاص فيها كما لو رمى إحداهما فمرق إلى الأخرى فأما إن قطع إصبعا فشلت إلى جانبها أخرى‏,‏ وجب القصاص في المقطوعة وحسب والأرش في الشلاء وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص فيهما ويجب أرشهما جميعا‏,‏ لأن حكم السراية لا ينفرد عن الجناية بدليل ما لو سرت إلى النفس فإذا لم يجب القصاص في إحداهما‏,‏ لم يجب في الأخرى ولنا أنها جناية موجبة للقصاص لو لم تسر فأوجبته إذا سرت‏,‏ كالتي تسري إلى سقوط أخرى وكما لو قطع يد حبلي فسرى إلى جنينها وبهذا يبطل ما ذكره وفارق الأصل لأن السراية مقتضية للقصاص كاقتضاء الفعل له‏,‏ فاستوى حكمهما وها هنا بخلافه ولأن ما ذكره غير صحيح فإن القطع إذا سرى إلى النفس‏,‏ سقط القصاص في القطع ووجب في النفس فخالف حكم الجناية حكم السراية‏,‏ فسقط ما قاله إذا ثبت هذا فإن الأرش يجب في ماله ولا تحمله العاقلة‏,‏ لأنه جناية عمد وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع والشلل فإذا قطع إصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه‏,‏ فعفا عن القصاص وجب له نصف الدية وإن اقتص من الإصبع‏,‏ فله في الأصابع الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذاها من الكف وهو أربعة أخماسه‏,‏ فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس الكف فيه وجهان أحدهما يتبعها في الأرش ولا شيء فيه والثاني‏,‏ فيه الحكومة لأن ما يقابل الأربع تبعها في الأرش لاستوائهما في الحكم وحكم التي اقتص منها مخالف لحكم الأرش‏,‏ فلم يتبعها‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز القصاص في الطرف إلا بعد اندمال الجرح في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي والثوري‏,‏ وأبو حنيفة ومالك وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وروى ذلك عن عطاء والحسن قال ابن المنذر‏:‏ كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ ويتخرج لنا أنه يجوز الاقتصاص قبل البرء‏,‏ بناء على قولنا‏:‏ إنه إذا سرى إلى النفس يفعل كما فعل وهذا قول الشافعي‏,‏ قال‏:‏ ولو سأل القود ساعة قطعت إصبعه أقدته لما روى جابر ‏(‏أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته‏,‏ فقال‏:‏ يا رسول الله أقدني قال‏:‏ حتى تبرأ فأبى وعجل‏,‏ فاستقاد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعييت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقاد منه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ليس لك شيء عجلت‏)‏ رواه سعيد مرسلا ولأن القصاص من الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال‏,‏ كما لو برأ ولنا ما روى جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏نهى أن يستقاد من الجروح حتى يبرأ المجروح‏)‏ ورواه الدارقطني‏,‏ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأن الجرح لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل‏,‏ فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه‏؟‏ فأما حديثهم فقد رواه الدارقطني وفي سياقه‏,‏ فقال‏:‏ يا رسول الله عرجت فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله‏,‏ وبطل عرجك ‏"‏ ثم نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه وهذه زيادة يجب قبولها وهي متأخرة عن الاقتصاص فتكون ناسخة له وفي نفس الحديث ما يدل على أن استقادته قبل البرء معصية لقوله‏:‏ ‏"‏ قد نهيتك فعصيتني ‏"‏ وما ذكروه ممنوع‏,‏ وهو مبني على الخلاف‏.‏

فصل‏:‏

فإن اقتص قبل الاندمال هدرت سراية الجناية وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ بل هي مضمونة لأنها سراية جناية‏,‏ فكانت مضمونة كما لو لم يقتص ولنا الخبر المذكور‏,‏ ولأنه استعجل ما لم يكن له استعجاله فبطل حقه كقاتل موروثه‏,‏ وبهذا فارق من لم يقتص فعلى هذا لو سرى القطعان جميعا فمات الجاني والمستوفي‏,‏ فهما هدر وقال أبو حنيفة‏:‏ يجب ضمان كل واحد منهما لأن سراية كل واحد منهما مضمونة ثم يتقاصان فيسقطان وقال الشافعي‏:‏ إن مات المجني عليه أولا‏,‏ ثم مات الجاني كان قصاصا لأنه مات من سراية القطع فقد مات بفعل المجني عليه‏,‏ وإن مات الجاني فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر‏,‏ يكون موت الجاني هدرا ولولي المجني عليه نصف الدية فأما إن سرى أحد القطعين دون صاحبه فعندنا هو هدر‏,‏ لا ضمان فيه وعند أبي حنيفة يجب ضمان سرايته وعند الشافعي إن سرت الجناية فهي مضمونة‏,‏ وإن سرى الاستيفاء لم يجب ضمانه ومبنى ذلك على ما تقدم من الخلاف‏.‏

فصل‏:‏

وإن اندمل جرح الجناية فاقتص منه‏,‏ ثم انتقض فسرى فسرايته مضمونة وسراية الاستيفاء غير مضمونة لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص فعلى هذا‏,‏ لو قطع يد رجل فبرأ فاقتص‏,‏ ثم انتقض جرح المجني عليه فمات فلوليه قتل الجاني‏,‏ لأنه مات من جنايته وإن عفا إلى الدية فلا شيء له‏,‏ لأنه استوفى بالقطع ما قيمته دية وهو يداه وإن سرى الاستيفاء‏,‏ لم يجب أيضا شيء لأن القصاص قد سقط بموته والدية لا يمكن إيجابها لما ذكرنا وإن كان المقطوع بالجناية يدا فوليه بالخيار بين القصاص في النفس وبين العفو إلى نصف الدية‏,‏ ومتى سقط القصاص بموت الجاني أو غيره وجب نصف الدية في تركة الجاني أو ماله إن كان حيا‏.‏

فصل‏:‏

ولو قطع كتابي يد مسلم‏,‏ فبرأ أو اقتص ثم انتقض جرح المسلم فمات فلوليه قتل الكتابي‏,‏ والعفو إلى أرش الجرح وفي قدره وجهان أحدهما‏:‏ نصف الدية لأنه قد استوفى بدل يده بالقصاص وبدلها نصف ديته‏,‏ فبقي له نصفها كما لو كان القاطع مسلما والثاني له ثلاثة أرباعها لأن يد اليهودي تعدل نصف ديته‏,‏ وذلك ربع دية المسلم فقد استوفى ربع ديته وبقي له ثلاثة أرباعها وإن كان قطع يدي المسلم‏,‏ فاقتص منه ثم مات المسلم فعفا وليه إلى مال‏,‏ انبنى على الوجهين إن قلنا‏:‏ تعتبر قيمة اليهودي فله ها هنا نصف الدية وإن قلنا‏:‏ الاعتبار بقيمة يد المسلم فلا شيء له ها هنا لأنه قد استوفى بدل يديه وهما جميع ديته ولو كان القطع في يديه ورجليه‏,‏ فعفا إلى الدية لم يكن له شيء وجها واحدا لأن دية ذلك دية مسلم ولو كان الجاني امرأة على رجل‏,‏ فالحكم على ما ذكرنا سواء لأن ديتها نصف دية الرجل‏.‏

فصل‏:‏

إذا قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما‏,‏ فلوليه قتل القاطعين وليس له أن يقطع طرفيهما في أحد الوجهين‏,‏ وفي الآخر له قطع يد القاطع من الكوع فإن قطعها ثم عفا عنه‏,‏ فله نصف الدية وأما الآخر فإن كانت يده مقطوعة من الكوع‏,‏ فقطعها من المرفق ثم عفا فله دية‏,‏ إلا قدر الحكومة في الذراع ولو كانت يد القاطع من المرفق صحيحة لم يجز قطعها رواية واحدة لأنه يأخذ صحيحة بمقطوعة وإن قطع أيديهما‏,‏ وهما صحيحتان أو قطع رجلان يديه فقطع يديهما‏,‏ ثم سرت الجناية فمات من قطعهما فليس لوليه العفو على الدية لأنه قد استوفى ما قيمته دية وإن اختار قتلهما‏,‏ فله ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجوز أن يقتص من حامل قبل وضعها سواء كانت حاملا وقت الجناية أو حملت بعدها قبل الاستيفاء‏,‏ وسواء كان القصاص في النفس أو في الطرف أما في النفس فلقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا يسرف في القتل‏}‏ وقتل الحامل قتل لغير القاتل فيكون إسرافا وروى ابن ماجه بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال‏:‏ ثنا معاذ بن جبل‏,‏ وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس‏,‏ قالوا‏:‏ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها‏,‏ وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها‏)‏ وهذا نص‏,‏ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للغامدية المقرة بالزنى‏:‏ ‏(‏ارجعي حتى تضعي ما في بطنك ثم قال لها‏:‏ ارجعي حتى ترضعيه‏)‏ ولأن هذا إجماع من أهل العلم لا نعلم بينهم فيه اختلافا وأما القصاص في الطرف فلأننا منعنا الاستيفاء فيه خشية السراية إلى الجاني أو إلى زيادة في حقه‏,‏ فلأن تمنع منه خشية السراية إلى غير الجاني وتفويت نفس معصومة أولى وأحرى‏,‏ ولأن في القصاص منها قتلا لغير الجاني وهو حرام وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبأ لأن الولد لا يعيش إلا به في الغالب‏,‏ ثم إن لم يكن للولد من يرضعه لم يجز قتلها حتى يجيء أوان فطامه لما ذكرنا من الخبرين ولأنه لما أخر الاستيفاء لحفظه وهو حمل‏,‏ فلأن يؤخر لحفظه بعد وضعه أولى إلا أن يكون القصاص فيما دون النفس ويكون الغالب بقاءها‏,‏ وعدم ضرره بالاستيفاء منها فيستوفي وإن وجد له مرضعة راتبة جاز قتلها لأنه يستغنى بلبنها‏,‏ وإن كانت مترددة أو جماعة يتناوبنه أو أمكن أن يسقى من لبن شاة أو نحوها‏,‏ جاز قتلها ويستحب للولي تأخيرها لما على الولد من الضرر لاختلاف اللبن عليه‏,‏ وشرب لبن البهيمة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ادعت الحمل ففيه وجهان أحدهما‏:‏ تحبس حتى يتبين حملها لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها‏,‏ ولا يعلمها غيرها فوجب أن يحتاط للحمل حتى يتبين انتفاء ما ادعته‏,‏ ولأنه أمر يختصها فقبل قولها فيه كالحيض والثاني‏,‏ ذكره القاضي أنها ترى أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت‏,‏ وإن شهدن ببراءتها لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا يؤخر بمجرد دعواها‏.‏

فصل‏:‏

وإن اقتص من حامل فقد أخطأ وأخطأ السلطان الذي مكنه من الاستيفاء‏,‏ وعليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإن علم أحدهما أو فرط‏,‏ فالإثم عليه ثم ننظر فإن لم تلق الولد فلا ضمان فيه لأنا لم نتحقق وجوده وحياته‏,‏ وإن انفصل ميتا أو حيا لوقت لا يعيش في مثله ففيه غرة وإن انفصل حيا لوقت يعيش مثله‏,‏ ثم مات من الجناية وجبت فيه دية وعلى من يجب ضمانه‏؟‏ ننظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين‏,‏ أو بأحدهما أو كان الولي عالما بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر‏,‏ والحاكم الممكن له صاحب سبب ومتى اجتمع المباشر مع المتسبب كان الضمان على المباشر دون المتسبب‏,‏ كالحافر مع الدافع وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده لأن المباشر معذور‏,‏ فكان الضمان على المتسبب كالسيد إذا أمر عبده بالقتل والعبد أعجمي لا يعرف تحريم القتل‏,‏ وكشهود القصاص إذا رجعوا عن الشهادة بعد الاستيفاء وقال القاضي‏:‏ إن كان أحدهما عالما وحده فالضمان عليه وحده وإن كانا عالمين‏,‏ فالضمان على الحاكم لأنه الذي يعرف الأحكام والولي إنما يرجع إلى حكمه واجتهاده وإن كانا جاهلين‏,‏ ففيه وجهان أحدهما‏:‏ الضمان على الإمام كما لو كانا عالمين والثاني على الولي وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب‏:‏ الضمان على الحاكم‏,‏ ولم يفرق وقال المزني‏:‏ الضمان على الولي في كل حال لأنه المباشر والسبب غير ملجئ‏,‏ فكان الضمان عليه كالحافر مع الدافع وكما لو أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا كان القاطع سالم الطرف‏,‏ والمقطوعة شلاء فلا قود‏]‏

لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل أو لسان صحيح بأشل إلا ما حكى عن داود‏,‏ أنه أوجب ذلك لأن كل واحد منهما مسمى باسم صاحبه فيؤخذ به كالأذنين ولنا أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال‏,‏ فلا يؤخذ بها ما فيه نفع كالصحيحة لا تؤخذ بالقائمة وما ذكر له قياس‏,‏ وهو لا يقول بالقياس وإذا لم يوجب القصاص في العينين مع قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يجب ذلك فيما لا نص فيه أولى‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع أذنا شلاء‏,‏ أو أنفا أشل فهل يؤخذ به الصحيح‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما لا يؤخذ به‏,‏ كسائر الأعضاء والثاني يؤخذ به لأن نفعه لا يذهب بشلله فإن نفع الأذن جمع الصوت‏,‏ ورد الهوام وستر موضع السمع ونفع الأنف جمع الريح‏,‏ ورد الهواء أو الهوام فقد ساوى الصحيح في الجمال والنفع فوجب أخذ كل واحد منهما بالآخر‏,‏ كالصحيح بالصحيح بخلاف اليد والرجل وللشافعي قولان كالوجهين‏.‏

فصل‏:‏

ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصة الأصابع‏,‏ فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو ثلاث أو قطع من له أربع أصابع يد من له ثلاث لم يجب القصاص لأنها فوق حقه وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ ذكرناهما فيما إذا قطع من نصف الكف وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها لأنه أخذ كامل بناقص وفي الاقتصاص من الأصابع الصحاح وجهان‏,‏ فإن قلنا‏:‏ له أن يقتص فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحاح في قصاصها أو تجب فيه حكومة‏؟‏ على وجهين‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع اليد الكاملة ذو يد فيها إصبع زائد‏,‏ وجب القصاص فيها ذكره أبو عبد الله بن حامد لأن الزائدة عيب ونقص في المعنى يرد بها المبيع فلم يمنع وجودها القصاص منها‏,‏ كالسلعة فيها والخراج واختار القاضي أنها لا تقطع بها وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة فعلى هذا إن كان للمجني عليه أيضا إصبع زائدة في محل الزائدة من الجاني وجب القصاص لاستوائهما‏,‏ وإن كانت في غير محلها أو لم يكن للمجني عليه إصبع زائدة لم تؤخذ يد الجاني وهل يملك قطع الإصبع‏؟‏ ننظر فإن كانت الزائدة ملصقة بأحد الأصابع‏,‏ فليس له قطع تلك الأصابع لأن في قطعها إضرارا بالزائدة وهل له قطع الأصابع الأربع‏؟‏ على وجهين وإن لم تكن ملصقة بواحدة منهن فهل له قطع الخمس‏؟‏ على وجهين وإن كانت الزائدة ثابتة في إصبع في أنملتها العليا‏,‏ لم يجز قطعها وإن كانت نابتة في السفلى أو الوسطى فله قطع ما فوقها من الأنامل‏,‏ في أحد الوجهين ويأخذ أرش الأنملة التي تعذر قطعها في أحد الوجهين ويتبع ذلك خمس الكف‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يجز القصاص لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة وإن كانت المقطوعة ذات أظفار‏,‏ إلا أنها خضراء أو مستحشفة أخذنا بها السليمة لأن ذلك علة ومرض‏,‏ والمرض لا يمنع القصاص بدليل أنا نأخذ الصحيح بالسقيم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كان القاطع أشل والمقطوعة سالمة‏,‏ فشاء المظلوم أخذها فذلك له ولا شيء له غيرها‏,‏ وإن شاء عفا وأخذ دية يده‏]‏

أما إذا اختار الدية فله دية يده‏,‏ لا نعلم فيه خلافا لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد وهذا قول أبي حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة‏,‏ فإن قالوا‏:‏ إنه إذا قطع لم تنسد العروق ودخل الهواء إلى البدن فأفسده سقط القصاص لأنه لا يجوز أخذ نفس بطرف وإن أمن هذا فله القصاص لأنه رضي بدون حقه‏,‏ فكان له ذلك كما لو رضي المسلم بالقصاص من الذمي والرجل من المرأة‏,‏ والحر من العبد وليس له مع القصاص أرش لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت في الصفة‏,‏ فلم يكن له أرش كالصور التي ذكرناها وقال أبو الخطاب‏:‏ عندي له أرش مع القصاص على قياس قوله في عين الأعور والأول أصح فإن إلحاق هذا الفرع بالأصول المتفق عليها أولى من إلحاقه بفرع مختلف فيه‏,‏ خارج عن الأصول مخالف للقياس‏.‏

فصل‏:‏

وتؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن في الاستيفاء الزيادة وقال أصحاب الشافعي‏,‏ لا تؤخذ بها في أحد الوجهين لأن الشلل علة والعلل يختلف تأثيرها في البدن‏,‏ فلا تتحقق المماثلة بينهما ولنا أنهما متماثلان في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالأخرى‏,‏ كالصحيحة بالصحيحة‏.‏

فصل‏:‏

وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه لأنهما تساوتا في الذات والصفة فأما إن اختلفا‏,‏ فكان المقطوع من يد أحدهما الإبهام ومن الأخرى إصبع غيرها لم يجز القصاص لأن فيه أخذ إصبع بغيرها وإن كانت يد أحدهما ناقصة إصبعا‏,‏ والأخرى ناقصة تلك الإصبع وأخرى جاز أخذ الناقصة إصبعين بالناقصة إصبعا وهل له أرش إصبعه الزائدة‏؟‏ فيه وجهان ولا يجوز أخذ الأخرى بها لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز أخذ الناقصة بالكاملة لأنها دون حقه وهل له أخذ دية لأصابع الناقصة‏؟‏ على وجهين أحدهما‏:‏ له ذلك وهو قول الشافعي واختيار ابن حامد والثاني‏,‏ ليس له مع القصاص أرش وهو مذهب أبي حنيفة وقياس قول أبي بكر لئلا يفضي إلى الجمع بين قصاص ودية في عضو واحد وقال القاضي‏:‏ قياس قوله سقوط القصاص كقوله في من قطعت يده من نصف الذراع وليس كذلك لأنه يقتص من موضع الجناية‏,‏ ويضع الحديدة في موضع وضعها الجاني فملك ذلك كما لو جنى عليه فوق الموضحة‏,‏ أو كان رأس الشاج أصغر أو أخذ الشلاء بالصحيحة ويفارق القاطع من نصف الذراع لأنه لا يمكنه القصاص من موضع الجناية هكذا حكاه الشريف عن أبي بكر‏.‏

فصل‏:‏

وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين‏,‏ ‏[‏ و ‏]‏ في يد المجني عليه إصبع زائدة فعلى قول ابن حامد لا عبرة بالزائدة لأنها بمنزلة الخراج والسلعة وعلى قول غيره‏,‏ له قطع يد الجاني وهل له حكومة في الزائدة‏؟‏ على وجهين وإن قطع من له خمس أصابع أصلية كف من له أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة‏,‏ أو قطع من له أربع أصابع وإصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية فلا قصاص في الصورة الأولى لأن الأصلية لا تؤخذ بالزائدة وله القصاص في الصورة الثانية‏,‏ في قول ابن حامد لأن الزائدة لا عبرة بها وقال غيره‏:‏ إن لم تكن الزائدة في محل الأصلية فلا قصاص أيضا لأن الإصبعين مختلفان وإن كانت في محل الأصلية فقال القاضي‏:‏ يجرى القصاص وهو مذهب الشافعي‏,‏ ولا شيء له لنقص الزائدة وهذا فيه نظر فإنها متى كانت في محل الأصلية كانت أصلية لأن الزائدة هي التي زادت عن عدد الأصابع‏,‏ أو كانت في غير محل الأصابع وهذا له خمس أصابع في محلها فكانت كلها أصلية فإن قالوا‏:‏ معنى كونها زائدة‏,‏ أنها ضعيفة مائلة عن سمت الأصابع قلنا‏:‏ ضعفها لا يوجب كونها زائدة كذكر العنين وأما ميلها عن الأصابع‏,‏ فإنها إن لم تكن نابتة في محل الإصبع المعدومة فسد قولهم إنها في محلها وإن كانت نابتة في موضعها‏,‏ وإنما مال رأسها واعوجت فهذا مرض لا يخرجها عن كونها أصلية‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قطع إصبعه فأصابه من جرحها أكلة في يده‏,‏ وسقطت من مفصل ففيها القصاص وإن بادرها صاحبها فقطعها من الكوع‏,‏ لئلا تسري إلى سائر جسده ثم اندمل جرحه فعلى الجاني القصاص في الإصبع‏,‏ والحكومة فيما تآكل من الكف ولا شيء عليه فيما قطعه المجني عليه لأنه تلف بفعله وإن لم يندمل ومات من ذلك‏,‏ فالجاني شريك نفسه فيحتمل وجوب القصاص عليه ويحتمل أن لا يجب بحال لأن فعل المجني عليه‏,‏ إنما قصد به المصلحة فهو عمد الخطأ وشريك الخاطئ لا قصاص عليه‏,‏ ويكون عليه نصف الدية وإن قطع المجني عليه موضع الأكلة نظرت فإن قطع لحما ميتا ثم سرت الجناية‏,‏ فالقصاص على الجاني لأنه سراية جرحه خاصة وإن كان في لحم حي فمات‏,‏ فالحكم فيه كما لو قطعها خوفا من سرايتها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قطع أنملة لها طرفان إحداهما‏:‏ زائدة والأخرى أصلية فإن كانت أنملة القاطع ذات طرفين أيضا‏,‏ أخذت بها وإن لم تكن ذات طرفين قطعت وعليه حكومة في الزائدة وإن كانت المقطوعة ذات طرف واحد‏,‏ وأنملة القاطع ذات طرفين أخذت بها في قول ابن حامد‏,‏ وعلى قول غيره لا قصاص فيها وله دية أنملته وإن ذهب الطرف الزائد فله الاستيفاء وإن قال‏:‏ أنا أصبر حتى يذهب الزائد ثم أقتص فله ذلك لأن القصاص حقه‏,‏ فلا يجبر على تعجيل استيفائه‏.‏

فصل‏:‏

ولو قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملة آخر الوسطى ثم قطع السفلى من ثالث‏,‏ فللأول القصاص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلى‏,‏ سواء جاءوا دفعة واحدة أو واحدا بعد واحد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا قصاص إلا في العليا لأنه لم يجب في غيرها حال الجناية لتعذر استيفائه‏,‏ فلم يجب بعد ذلك كما لو كان غير مكافئ حال الجناية ثم صار مكافئا بعده ولنا أن تعذر القصاص لاتصال محله بغيره لا يمنعه إذا زال الاتصال‏,‏ كما لو جنت الحامل ويفارق عدم التكافؤ لأنه تعذر لمعنى فيه وها هنا تعذر لاتصال غيره به فأما إن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يعطه لأن في استيفائه إتلاف أنملة لا يستحقها‏,‏ وقيل لهما‏:‏ إما أن تصبرا حتى تعلما ما يكون من الأول فإن اقتص فلكما القصاص وإن عفا فلا قصاص لكما‏,‏ وإما أن ترضيا بالعقل فإذا جاء صاحب العليا فاقتص فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني كحكم الثاني مع الأول‏,‏ وإن عفا فلهما العقل فإن قالا‏:‏ نحن نصبر وننظر بالقصاص أن تسقط العليا بمرض أو نحوه‏,‏ ثم نقتص لم يمنعا من ذلك وإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا تدفع إلى صاحب العليا وإن قطع الإصبع كلها‏,‏ فعليه القصاص في الأنملة الثالثة وعليه أرش العليا للأول وأرش السفلى على الجاني لصاحبها‏,‏ وإن عفا الجاني عن قصاصها وجب أرشها يدفعه إليه‏,‏ ليدفعه إلى المجني عليه‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الإصبع فللأول قطع العليا لأن حقه أسبق‏,‏ ثم يقطع الثاني الوسطى ويأخذ أرش العليا منه فإن بادر الثاني فقطع الأنملتين فقد استوفى حقه‏,‏ وتعذر استيفاء القصاص للأول وله الأرش على الجاني وإن كان قطع الأنملتين أولا قدمنا صاحبهما في القصاص‏,‏ للأول وله الأرش على الجاني وإن بادر صاحبها فقطعها فقد استوفى حقه‏,‏ وتقطع الوسطى للأول ويأخذ الأرش للعليا ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع عليا‏,‏ فاستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاصا وتساقطا لأن ديتهما واحدة‏,‏ وإن اختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع أرش العليا ويجيء على قول أبي بكر‏,‏ أن لا يجب القصاص لأن ديتهما واحدة واسم الأنملة يشملهما فتساقطا‏,‏ كقوله في إحدى اليدين بدلا عن الأخرى‏.‏